للمرّة الثانية، استضافت تونس أعمال المنتدى الاجتماعي العالمي هذه السنة. هذا التجمّع الدولي الذّي تحوّل إلى حدث دوري منذ سنة 2001، كان في البداية ردّة فعل على المنتدى الاقتصادي الدولي في دافوس. ليتحوّل إلى أهمّ ملتقى للحركات والجمعيّات المناهضة للرأسماليّة الليبراليّة الجديدة. وكما جرت العادة، شاركت العشرات من المنظّمات الدوليّة في شتّى الاختصاصات في المنتدى الأخير لتستعرض أطروحاتها ورؤاها بخصوص مختلف القضايا ولتنميّ عبر اللقاءات المشتركة قدراتها على ما يصطلح تسميته بالتسيير الذاتيّ.
الانتقادات التي وجّهت خلال هذه الدورة كانت غير مسبوقة، حيث لوحظ تنامي الانتقادات من قبل العديد من المشاركين وخيبة أملهم مقارنة بالدورة السابقة. إذ يبدو أنّ بعض الأطراف لا تبدو مستعدّة لخوض تجارب جديدة على مستوى التنظيم ومن بينها اللجنة الدولية للتنظيم. فمن المفروض أن يعمل المنتدى الاجتماعي العالمي على تسهيل الإدارة الذاتية لتلاقي مختلف الحركات والأفكار والخبرات ذات المرجعيات التقدمية. ولكن يبدو أن الطابع الهرمي بدأ يطغى مع مرور الوقت على إدارة المنتدى ممّا يستدعي من منظميه بدأ التفكير بجديّة في مستقبل هذه التجربة.
يعلّق حسين عبد الرحيم، الكاتب والناشط السياسي المصري، الذّي كان متابعا للمنتدى الاجتماعي العالمي منذ الخطوات الأولى لإنشائه قائلا؛
البداية الحقيقيّة للمنتدى بدأت من خلال لقاءات الحركات الاجتماعية في بروكسل. في ذلك الوقت، كانت البلاد تشهد أزمة نقابيّة. وقد بدأ كريستوف أغيتون الاتصال بالناس وتنظيم لقاءات بين الناشطين والمناضلين. في العام الموالي، حضر الحزب الشيوعي البرازيلي فعاليات الاحتفال الدولي بالبيان الشيوعي، وطلب الدعم من اليساريين الأوروبيين في الانتخابات المقبلة في البرازيل. وهكذا فقد قررت مختلف المنظّمات والجمعيات الذهاب إلى بورتو أليغري لإنشاء المنتدى.
حين فاز الحزب الشيوعي البرازيلي في الانتخابات ووصل إلى السلطة، قرّر الجميع الاستمرار في تجربة المنتدى الاجتماعي العالمي في رسالة إلى جميع الناشطين والمناضلين بأن شيئا لن يتغير بسهولة. إذن ومنذ البداية ومنذ نشأته، عانى المنتدى الاجتماعي العالمي من الاستغلال السياسي .
يضيف السيّد حسين عبد الرحمان أنّ المنتدى نجح رغم كلّ شيء على تغيير شكل اليسار التقليديّ، ولكن هذا التغيير للأسف لم يشمل الجوهر، ليستطرد قائلا:
هذا المهرجان النضاليّ إن صحّ التعبير ليس تشاركا ديمقراطيا كما كان يفترض أن يكون، بل اتخّذ في واقع الأمر شكلا هرميا وتمّ احتكار القرارات الكبرى من قبل أقلية تتولّى إدارة الأمور في صورة مطابقة للمعمول به في النظام الرأسمالي.
في مواصلة لما جاء على لسان محدّثنا حسين، فإنّ الفنّان والمخرج خالد فرجاني، الذّي لم تتسنّى له المشاركة سوى مرتيّن في أعمال المنتدى الاجتماعي العالمي، لم يخفي ما لاحظه من خيبة أمل جماعيّة لدى العديد من المشاركين، ليستنتج قائلا:
خيبة الأمل والإحباط كانت واضحة لدى التونسيين والعرب عموما خلال هذه السنة. فعلى عكس العام الماضي حين كانت الاجتماعات و ورشات العمل تعجّ بالتونسيين الذين يسعون فعلا لتغيير البلاد، فإنّ دورة هذه السنة امتازت بالرداءة وطغى عليها الطابع الاحتفاليّ. فأغلب الشباب كان منشغلا في الرقص والغناء، ولم يعد منجذبا للمناقشات السياسية. وفي اعتقادي هذا رد فعل مباشر وطبيعيّ على الوضع السياسي الحالي في تونس.
صفوان بوعزيز، محدّثنا الموالي، استطاع الهروب من المتابعة الأمنيّة ومن عديد المحاكمات السياسيّة ليلتحق بالمنتدى ويحاول الاستفادة من هذه الفرصة لرؤية الأصدقاء والتعرف على أشخاص جدد. بعد غيابه عن المنتدى السابق لأسباب أمنية، علّق هذا محبطا:
كانت لدي فكرة مختلفة تماما عن المنتدى. حيث اعتقدت انه حدث أكثر راديكالية وتمردا. ولكنّ الواقع كان صادما بالنسبة لي، حيث يعجّ المكان بالإصلاحيّين اكثر منه بالثوريّين. كما أنّ هذا الجو الاحتفالي غلب عليه الطابع التجاريّ وألقى بظلاله على روح الاحتجاج والغضب الضروريّة للتعامل مع الأزمة العالمية الحالية.
في نفس هذا السياق، يسترسل دراغان نيسيفتش، وهو معارض يساري من سلوفينيا، قائلا:
إنّ الهدف المشترك الذّي قام على أساسه المنتدى لم يعد تغيير النظام العالمي ومحاربة الرأسمالية ولكن الاكتفاء بالتنديد بمخاطر الليبرالية الجديدة التي تقود العالم نحو الفوضى. لا أعتقد أن هذه الحالة تقتصر على المثال التونسيّ بل تشمل العالم بأسره، حيث تشهد الحركات الاحتجاجية التقدمية انتكاسة حادة باستثناء عدد قليل من التجارب على غرار ما حدث في اليونان.
هذه السنة، كان عدد المشاركين والزائرين أقلّ بشكل ملحوظ مقارنة بالأعداد المشاركة خلال المنتدى الاجتماعي العالمي سنة 2013. وربّما لعب سوء الأحوال الجوية التي رافقت المنتدى أو تنظيمه في نفس البلد للمرّة الثانية على التوالي دورا في خفوت الحماس للمشاركة هذه السنة.
وحول ضعف الإقبال يعلّق الناشط البلجيكي صاموئيل ليغرو قائلا:
أعتقد أن العديد من المشاركين خيّروا عدم العودة لشعورهم بأنهم ليسوا بصدد التقدّم ضمن عملية الانتقال نحو رؤية مشتركة ووضع أسس مشروع صلب. رغم علمي أن المنتدى الاجتماعي العالمي يحظر الخروج بقرارات أو خطط نهائيّة، إلاّ أنّني أرى الحاجة ملحّة اليوم لإنجاز مشروع عالمي بديل مشترك. إذ أنّ غياب نتائج ملموسة لمسيرة النضال ضد الليبرالية الجديدة يخلق حالة من الإحباط ويفتح الباب على مصراعيه امام الانتقادات والتحفظات. ولا أخفيكم أنّني أشعر بخيبة أمل لرؤية المنتدى يتحوّل إلى ما يشبه المعرض الذّي يقصده الناس لعرض أعمالهم، والانغلاق على أنفسهم ضمن دائرة اهتمام ضيّقة ونصيب محدود من التجربة والمعرفة.
هذا المناخ العام دفع العشرات من المتطوعين في المنتدى ظهيرة يوم الخميس إلى التظاهر للفت الانتباه إلى ظروف العمل الصعبة. وقد عبّر أحد المتظاهرين عن غضبه قائلا:
لقد كان قضاء الليل كابوسا حقيقيّا بالنسبة لنا، فبسبب الأمطار التي لم تتوقّف عن الهطول طيلة الأسبوع، امتلأت خيامنا بالماء ولم نستطع توفير مكان بديل. كما تمّ حرماننا من وجبة العشاء، حيث يتم تقديم ساندويتش واحد في منتصف النهار. أمّا أولئك الذين اختاروا العودة لمنازلهم في المساء، فكان عليهم تدبّر أمورهم بمفردهم من حيث مصاريف التنقّل وغيرها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الوحدات التطوعيّة تتكوّن في معظمها من الطلبة أو الخريجين العاطلين عن العمل، وهو ما يستوجب دعمها من قبل المنظّمين، كما كان يحصل دائما منذ إنشاء المنتدى. ليتدخّل أحد أفراد الوحدات التطوعيّة قائلا: « نحن على علم بالتمويلات الكبيرة التي يتلقّاها المنظّمون …»
على الرغم من الانتقادات العديدة، فإنّ المنتدى يظلّ يحتفظ بسحر خاص في عيون الذّين تعوّدوا على المشاركة في أعماله. ونختم هنا بتعليق السيّد كارميندا عضو اللجنة الكندية للتنظيم المرشحة لاستضافة المنتدى الاجتماعي العالمي في سنة 2016، الذّي ردّ على مسألة تعاظم الانتقادات قائلا:
ما دام المجال مفتوحا أمام النقد الذاتيّ، فكل التغييرات والإصلاحات ممكنة. إذ انّ تقريب وجهات النظر المختلفة لا تقتصر على لجان التنظيم بل هي مهمة الجميع.
نحن امام معادلة كونية جد مهمة ،خصوصا وان قضية التنظيم الاجتماعي و الحفاظ على التنوع الثقافية لهما علاقة جد وطيدة بالتنظيم الاقتصادي ،و العالم اليوم يعيش على معضلة سلبيات حكامة نظام راسمالي ،الدي يعزز تنميطا ثقافيا بدلا من التنوع الثقافي ،و الدي يفرط في انتاج سلع الاستهلاك الخاص و الدي يزيد من الافقار و اعتلال الصحة و تدهور نوعية الحياة و انهيار البيئة ،و مع دلك فالوقع يتطلب توفير امكانيات مادية ‘اي وجود اصحاب رؤوس الاموال ) ، لبناء المعامل و تجهيز الضيعات الفلاحية و…و في نفس الوقت الامر يتطلب رفع معنويات المشغلين ،و نحن امام مشروع كبير و هو كيف يمكن تغيير البنى الراسمالية الاساسية ؟بشكل توافقي يحفظ حقوق اصحاب الرؤوس الاموال و يعزز الطاقة الشرائية للشغيلة ،في راي المتواضع السؤال موجه بالاساس الى الحكامة المنتخبة سياسيا و ليس لاحد الطرفين ،لا للطبقة العاملة و لا للباترونات ،مع ضرورة توفير شروط اساسية فكرية و خلقية و تنموية في من له الحق ان يتحمل مسؤولية الحكامة ،وهنا البيت القصير كما يقال،بحيث العالم اليوم لا يتوفر على نظام حكومي كوني عادل ،بل هو يعيش على تصورات طاطونية بورجوازية راسمالية ،تعزز صوتها باصوات رجالات دين ببغائيين الى جانب رجلات متعلمة انتهازية ،عن طريق سياسة الاغراءات و التحفيزات ،بينما الواقع الكوني اليوم يتطلب انتخابات
و الواقع اليوم يتطلب انتخابات نزيهة و شفافة تفرز رجالات سياسية مثقفة و قانونية و دينية كونية غير متشبثة بمدئ استدامة و اراثة المناصب السياسية و الاقتصادية و الدينية ،بقدر ما هي متطلعة لعدالة كونية تحقق من خلالها غدا افضل للانسانية جمعاء ،ودلك عن طريق وضع قوانين دولية تحمي جغرافية الاوطان اولا ثم حقوق كل طبقات الشعب، الاقتصادية و الدينية و الثقافية المتنوعة ،يتوقف من خلالها صراعات الحضارات و صراع الاديان و صراع الطبقات الاجتماعية .كم هي كثيرة المنتديات ،المنتدى الاسلامي العاالمي للحوار ،المنتدى المنتدى الاجتماعي العالمي ،المجلس الاعلى للثقافة ،المركز الدولي للسلام ،كلها تجتمع على و جبة غداء او وجبة عشاء ممولة من طرف الرأسماليون ،لتجتد في خلق وعود جديدة مسكنة للطبقة العاملة ،ويبقى الوضع على ما هو عليه.